منذ أيام قليلة أُعلن عن إتمام صفقة مُبهرة لشركة سويفل إحدى شركات التكنولوجيا الناشئة، انتهت إلى تقييم مليارى، وإدراج قريب فى إحدى أهم البورصات العالمية.
الشركة محل الخبر والحفاوة مؤسسها مصرى، وأيضاً كانت مصر إحدى محطات الشركة فى طور تأسيسها قريب العهد.
عقب الإعلان عن إتمام الصفقة غـرَّد سمو الشيخ محمد بن راشد بتدوينة تهنئة لمؤسس الشركة الشاب المصرى بنجاح الصفقة باعتبار أن الشركة مركزها الرئيسى وقائمة فى دبى بدولة الإمارات، وتزامن مع ذلك، أيضاً، إشادة وتهنئة بتغريدة أخرى من الحاضرة دوماً بذكاء الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى.الأجواء بالفعل احتفالية للشركة، والسعادة غامرة، وسطر للتاريخ كُتب بالفعل لأحد رواد الأعمال المصريين يدعو للفخر والإشادة.
لكن على الجانب الآخر من مشهد الألعاب النارية الاحتفالية، وإضاءة برج خليفة بالعلامة التجارية للشركة المُحتفى بها، وجد كثير من مجتمع شباب رواد الأعمال المصريين أنفسهم عالقين فى سؤال كبير.. هل من الممكن حقاً تحقيق مثل هذا النجاح من الألف للياء هنا فى مصر؟ السؤال صحيح ومباشر، وقد تكون الإجابة الأسهل بالإيجاب، لكن هذه ليست إجابة مُرضية أو مُدققة، وينبغى أن يأخذنا هذا السؤال إلى مراجعات فى أوساط ومجتمع شباب ريادة الأعمال المصرى، وكيف كانت محاولات الاشتباك والاتصال بينه وبين المجتمع وتشريعاته المالية والاقتصادية ذات الصلة. السنوات العشر الماضية قد تكون هى العمر التقريبى لميلاد مجتمع رواد الأعمال فى مصر والمتزامن مع الانطلاق الصاروخى لمفردات ثورات تكنولوجيا المعلومات والبيج داتا والرقمنة وإلى هذا العالم الحديث ينسب هذا المجتمع نفسه. فتجارته وأفكاره ليست تقليدية، بل هى منبتة الصلة عن كل ما هو تقليدى وباحثة عن فرص نجاحها ونموها بين أروقة التكنولوجيا الحديثة، وتحليل المعلومات، والمصفوفات، والخوارزميات.
ومثلما غيرت الكهرباء شكل ووجه التجارة العالمية منذ ما يقرب من مائتى عام وعصفت بكل الأنماط السائدة تأتينا فى عالم اليوم التكنولوجيا المالية لتلعب نفس الدور مرة أخرى وتغير شكل العالم وشكل التجارة اليوم وخريطتها وتوازنات قواها ولاعبيها.هناك سمة قد تبدو عامة وغالبة على أوساط رواد الأعمال، وهى التفكيك والتكسير لشكل ودولاب العمل وكيفية إدارة المشروع قد يرى البعض فى ذلك استيراداً لذات الأسلوب والمفاهيم بين أوساط رواد الأعمال بالبلدان الأكثر تطوراً، وقد يرى آخرون أن الزمن قد تجاوز النظر بسلبية إلى فكرة الاقتباس والتقليد وأن تلك الأساليب والمفردات الجديدة هى ببساطة أصبحت اللغة المعاصرة والحديث عن خطاب الخصوصيات الثقافية والتشريعية فى عوالم التكنولوجيا المالية هو حديث غير ذى جدوى من الأساس كونه يتنافى مع عناصر مثل سرعة الانتشار والقابلية للتحديث على مدار الساعة التى تمثل مرتكزات رئيسية فى شكل هذا العالم.الآن يمكننا أن نتخيل حجم الهوة بين مجتمع رواد الأعمال من جانب والبنية التشريعية المحلية التى أن ينبغى أن يعملوا تحت مظلتها من جانب آخر.
فطوال الوقت يرى أصحاب ومؤسسو الكثير من تلك الشركات أن التشريعات خاصة تلك المتصلة بتشريعات التمويل وسوق المال والشركات والاستثمار لا تواكب متطلباتهم، وأن الآليات المتاحة فى القوانين المصرية ليست مرنة بما يكفى لجذب الاستثمار الذى يبحث عنه.
وهنا نجد أنفسنا أمام عامل ضغط قوى على طرفى المعادلة ألا وهو بعض من المستثمرين والممولين سواء بعض الملائكيين أو غيرهم من أصحاب رأسمال المخاطر لتلك الشركات، فمطالب المستثمرين والممولين دائماً واضحة طوال الوقت، لكن تمويل مشروعات قائمة بها عناصر مخاطر أعلى، فهنا يبدأ المستثمر فى تعزيز ضماناته وحماية استثماره، ورسم مسار التخارج على أفضل نحو، ويبدأ فى فرض صيغة من الأوراق يعلم هو جيداً أنه لا يوجد لها سند أو مرجعية فى النظام القانونى المصرى، ولذلك يبدأ مع صاحب المشروع أو الفكرة مرحلة الترويج لعبارة هيا بنا نبحث عن ملاذ آخر، صفقة يتلوها أخرى وشركات تحصل على تمويلها من الخانات الكثيرة الذى طالما بحثت عنه، وبذلك وعلى مدار آخر خمس سنوات تكون ما يشبه العرف والرأى السائد بين أوساط تلك الشركات أنه يجب أن تلعب مباراتك المهمة من الخارج، وليشتعل السباق بين الكثير من أفراد هذا الوسط لمن ستكون الجولة الترويجية التمويلية الأنجح، ومن سيتصدر غلاف الجريدة الاقتصادية أو من سُيجرى معه حديث صحفى يُحدثنا فيه عن كيف كانت قصة نجاحه. إذن من الذى يجب أن ينتبه إلى خطورة مثل هذا الترويج وتلك الأعراف التى هى قيد التخليق والتكوين ويأخذ خطوات جدية أمامها.. قطعاً ستكون مؤسسات الدولة وهى فى ذلك أمام عدة محاور متوازية إن هى رأت أن استثمارات شركات التكنولوجيا والتكنولوجيا المالية الناشئة تمثل أولوية اقتصادية واجتماعية يجب أن تأتى على رأس أجندتها.
فمن ناحية يجب إعادة النظر أن تلك الأولوية ليست نابعة من مجرد كونها استثمارات تقليدية يتعين رعايتها أو حرفاً يدوية يُخشى عليها من الاندثار، بل يجب النظر إليها إلى أنها المستقبل الذى ستتغير معه شكل الحياة وحاجيات المواطن وكيفية تلبيتها والانتقال بأنماط العيش والتجارة والتعليم والطب والزراعة ومواجهة التغير المناخى إلى آفاق جديدة، ومن هنا ستكون أول رسالة موجهة إلى أوساط تلك الشركات الناشئة مفادها أن هناك لغة مشتركة بين الجانبين وإلماماً متبادلاً بطبيعة المرحلة ومتطلباتها.
الأمر الآخر هو المراجعة الدورية وعلى فترات متقاربة أكثر لتشريعات التمويل وسوق المال وما يرتبط بهما من حزم تشريعية أخرى فكما أشرنا أن أحد أهم أسباب الترويج والتزيين للعمل بالخارج هو أنه ملاذ مرن لجميع الصور التعاقدية والتمويلية لدخول المستثمر وجذبه.
أيضاً الأثر الضريبى والمعاملة الضريبة بين أوساط تلك الشركات هو إحدى النقاط المهمة فى سبيل اختيارهم للدولة التى يبحث عنها لتكون الملاذ الورقى لشركته، ومثلما يطالب أصحاب تلك الشركات المؤسسات والتشريعات المحلية أن تكون متطورة ومواكبة إيقاع العصر فيجب أيضاً عليهم الانتباه إلى أن عالم الملاذات الضريبية الآمنة لم يعد كسابق عهده والمحاصرة التى تقوم بها دول العالم تزيد يوماً بعد يوم ومراجعة الاتفاقيات الدولية لمنع التهرب والازدواج الضريبى أصبحت أمراً واقعاً. التقييم أيضاً هو أحد الأسئلة المركزية فى هذا الملف. كيف تُقيم شركة تحقق خسائر لسنوات متتالية وفقاً لحساب الأرباح والخسائر بقوائمها المالية وفى ذات الوقت تروج لبيعها أو للاستثمار معها بأرقام لم يُسمع بها من قبل بين أعتى المشروعات والقلاع الصناعية أو الإنتاجية.
بالفعل تلك مقاربة ومقارنة خاطئة تماماً فمعادلات التقييم لها أُسس تناسب شركة أو مصنعاً مـا، ولكن كيف يمكن أن نقبل بإنزال تلك المعادلات نفسها على مشروعات حديثة لا نقول ذات طابع خاص، بل أكثر من ذلك فإنها وكل مكوناتها حديثة ومن خارج المنهج تماماً إن صح التعبير.
السؤال إذن ما مدى إمكانية مواكبة وتعديل معايير المحاسبة لتستوعب بدورها مثل المشروعات القائمة على مفاهيم مغايرة بشكل جذرى للمشروعات التقليدية وأيضاً كمحاولة للحد من المبالغات غير المنطقية فى كثير من الأحيان لتصورات البعض بمناسبة تقييمهم لمشروعاتهم.
إحدى صور تعزيز اللغة المشتركة لمفردات وأسلوب تفكير تلك الشركات ليس فقط بتنظيم الفعاليات الترويجية وإنما قد يكون من المهم أيضاً تعزيز وجود وزيادة الأصوات الممثلة عن هذا الوسط داخل مجالس إدارات الهيئات المرتبطة بتلك الشركات، وربما يكون من حسن الحظ أنَّ مجلس إدارة البورصة المصرية قد انتخب لدورة جديدة وقد يكون فى ضم البعض للمقاعد المُعينة فى مجلس الإدارة من أصحاب الخبرة والاتصال بين أوساط شركات التكنولوجيا الناشئة أو أعمال التمويل الملائكى فرصة جيدة أيضاً للتعبير عن تحديات ومتطلبات هذا الوسط المستهدف.
فى هذا الملف تحديداً لا يمكننا الادعاء أن مؤسسات الدولة وتشريعاتها كانت بعيدة عن المشهد، فهناك عدة تشريعات وثيقة الصلة صدرت فى آخر سنتين من قانون البنك المركزى الجديد أفرد باباً للتكنولوجيا المالية، وأيضاً صدر قانون تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة رقم 152 لسنة 2020 ولائحته التنفيذية وهناك عدة تشريعات أخرى ذات صلة، وفقاً لما يتردد من تصريحات وبيانات.
هذا بخلاف ما سبق وأن تبنته وزارة الاستثمار سابقاً لبعض الفعاليات وحاضنات ومسرعات الأعمال.
لكن من ناحية أخرى، فالإيقاع هنا سرعته أكبر من المعتاد، ولا يحتمل مجرد المشاهدة لحين البت فيما قد يتقرر بشأنه.
بقلم: مصطفى موسى
محام
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا